الجمعة، 30 أغسطس 2013

صرخة بلا صوت


انهمر المطر بكل غزارة غمرت المياه الشوارع ,عجلات السيارات تدور عنوة ,السائقون يقودون بتأني خوفا من الانزلاق 
لم اعد ارى... قطرات المطر الغزيرة بللت زجاج السيارة ,كنت جالسة في المقعد الخلفي محشورة بين حقائب احمل فيها امتعتي اعتز بها رغم عدم حاجتي لها الشوارع مزدحمة, الناس كلهم غرباء !منزعجون من المطر الذي يعيق حركتهم, عدا الاطفال فرحين بهذا العطاء السماوي ....دمعاتي كانت تباغتني حائرة الى اي مكان اذهب بسفري الطويل ..اي عنوان اعطيه للسائق كي ياخذني اليه لابد هناك نهاية بهذا الطريق... اجل سأعطيه عنوان أحط به رحالي مؤقتا قبل ان اكمل مسيري انعطفت السيارة نحو المكان المطلوب, ارتعد قلبي واختلطت مياه المطر بدموعي برودة جعلت اطرافي ترتعش وتخيلات متداخلة مع ذكريات قديمة ...هو نفس المكان الذي كنت اسكن فيه ..افزعني صوت السائق قائلا قد وصلنا..صحوت من غفلتي طلبت منه ان يساعدني بحمل الحقائب .. راح يحمل معي والمطر لازال ينهمر ثيابي طويلة اثقلتها المياه وكأنها مربوطة بحجر اجر بأذيالي مع الحقائب عنوه قال السائق ..الم يجدر ان يأتي من يساعدك, نضرت اليه, دون ان اجيبه لكن كنت احدث نفسي "هل تريدني ان اخبرك انني غريبة عن كل ممن حولي" وقفت امام الباب تذكرت لا املك المفاتيح فأنني تركت المكان منذ زمن ..رحت انادي للسائق لكنه ابتعد واخذ مكانه بين الزحام ...قررت ان اكمل طريقي, خرجت من صخب المدينة راجلة تباعدت الاضواء وتلاشت بيوتات ألمدينة بقيت وحدي انا وحقائبي اسحبها عنوة ...حل الغروب ,ونام النهار مودعا كل الاحلام التي طوتها الشوارع وأخمدها الغروب...لاحت لي اطلال بالطرف الاخر رغم تعبي لكني اجهدت نفسي كي اصلها لأنام ليلتي بأحد زواياها ..هاهي امامي لا تبعدني عنها سوى بعض من الامتار القليلة... تنفست قليلا وملأت صدري من الهواء المغبر دخلت المدينة المهجورة تنقلت بين دهاليزها لا اسمع سوى طقطقة تخرج من تحت قدمي بسبب الاحجار والأعشاب المتيبسة, صفير الهواء يخرج من بين جدرانها ,اطلال تبعث في النفس الرعب الممزوج مع الارتياح لخلوها.. لابد ان كانت هذه المدينة الخاوية تعج بالصخب البشري تأملت بها سمعت اصوات وصخب بين الازقة وضحكات وعتاب ومشاجرة بين التجار في متاجرها روائح زكية تخرج من البيوت نساء يتبادلن الحديث امام عتبات منازلهن, اطفال يلعبون بين الازقة ...اجل انها مدينة من زمن اخر لا اعلم هل دونها التاريخ ام خمدت بمقبرة النسيان الابدي ...بعض جيف الحيوانات متعفنة تبعث رائحة نتنة جعلتني احس بالغثيان وكثير ما تقيأت ,..طويت جسمي على احدا حقائبي ,وضعت راسي بين ركبتي ,وأخذت وضع الجنين ببطن امه, فكرت كثيرا بأوراقي التي تركتها بين طيات اغراضي قد تسللت كلماتها الرطوبة مثل ما تسللت خلسة على كل ايامي وأكلت منها كثير من الذكريات ومحتها... قضيت ليلتي وأنا بين النوم الذي اثقل كل قواي وبين الخوف من الاصوات التي تصدرها الخفافيش وهي تخطف من فوقي ...زاورتني الشمس في الصباح استيقظت, لكني لازلت متعبة فلابد ان اكمل طريقي وكلي اصرار ان احمل معي حقائبي انهكني التعب طريق طويل وكأن ليس له بداية ولانهاية يأس اطبق علي...قدماي بدأتا تتورمين من السير الطويل وبعض من اصابع قدمي تشققت وسال منها دم ممزوج بصديد تقيأتني كل الاطلال المنسية والأراضي المقفرة بقيت انا والطريق الخالية _اين تاخذني ومتى ينتهي المسير _الاتعلمين ان كثير منهم تاهوا هنا وضاعوا ودفنتهم الغبراء_هل هذا مصيري ايها الطريق دلني على مسار من وصل _كثير هم من مات دون ان يصل مقصده...على هذا الجانب كانت تستنجد لكنهم قتلوها دون من يسمعها احد ثأروا لشرفهم داروا ظهورهم وابتلعهم الظلام وغصت الارض من دمائها كنت اسمع للطريق اكيد انه يعرف كل من مر من هنا فلابد حاورهم مثل ما هو الان يحدثني عنهم _هنا سقط وابتلعه ضباب الاحلام كان قاصدا تغير حياته هاربا من جشع وظلم زمانه بقيت صورة عائلته مدفونة تحت ثرى هذه الارض الخاوية تعودت ان اراهم ميتون قبل ان يصلوا بعض منهم من كان يأتي وينصب خيامه مع اقاربه ويستقر لبعض الوقت وأيضا مات منهم الكثير _اتقصد ان هذا التراب الذاري هو ترابهم _لا اعلم اضن ان ترابهم لازال رطبا ولا اضنه يوما سوف يجف لان كل قصصهم لازالت حية ..ايعقل ان اموت هنا قبل ان ابلغ مقصدي؟..هل يوجد لي مكان اموت فيه بين من ماتوا قبلي؟.. هل سيحكي عني الطريق للقادمين بعدي ؟..اجهضت كل احلامي تجردت شيئا فشيئا من امتعتي وحقائبي وكأني استسلمت لمصيري لأترك الموت ينقض علي مثل تلك العجوز التي جلست القرفصاء في احد زوايا مخدعها واضعة رأسها بين ركبتيها وشعرها الفضي يغطيها ماتت دون ان يعلم احد كانوا الاطفال ينضرون اليها من خلال شروخ الجدران التي صدعتها السنين بلغت من الطريق الكثير هل اعود الى تلك الباب المغلق وإذا عدت اجده مفتوح ام لاألازالت جدرانه تعرفني هل رائحتي موجودة ام ماتت هي الاخرى كلماتي صرخاتي كم اطلقت من الصرخات بكت الجدران لها...برودة اثلجت جسدي المرتعد السماء ارعدت دون مطر او حتى رياح ...مزقت ثيابي ,هشمت اضلعي الحانية ,بكيت دون دموع ,صرخت دون صوت ,ركضت غاصت قدماي, سكون ,ضجيج ,اختلط كل شي رأيت النهاية اجل ابلغتها فرحت تمنيت لو الان املك صوت لأبلغت الطريق اني وصلت لقد كانت ارادتي اقوى من كل شيء_اه نهاية الطريق مطبق مع السماء خبرني ايها الطريق ارجوك اسمعني اهناك مجال للعبور حاولت كي اصل صوتي _اذا عبرت اين اصل هل اصعد السماء ام يكون الطريق منبسط نصفي ابتلعه التراب ونصفي الاخر لازال يلوح للطريق عله ينقذه او حتى يسمعه



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق