الأحد، 29 مايو 2011

الباحة

تعلقت عيناي بذلك المنزل الباهتة انواره، حيث انني منذ قدومي الى هذا الحي لم ارَ احدا يخرج اويدخل اليه، كان بنائه على الطراز القديم تزين الشرف نقوش هندسية نقشت بابداع اخاذ، فلا يستطيع من يمر من خلاله الا ان يأخذ نظرة متفحصة ذلك الفن المتقن، هو بالفعل صرح جميل، واضافة الى هذا كان هذا البناء قديما الكل يعرفه ويستدل به. بات فضولي يزداد كلما انظر اليه، وفي كل مرة يكاد هذا الفضول يدفعني لدخوله، الا ان شيئا يمنعني، فقد كان ينتابني الخوف كلما أمر من امامه..
اخيرا غلب حبي للمغامرة مخاوفي، فانا لا اريد ان اسأل بل اريد ان اركتشف الامر بنفسي.
تطل شرفة غرفتي على باحه المنزل، ما يدهشني هو ان الباحة الواسعة مصفوفة من الرخام البني لم ارَ اطلاقا ذرة من الغبار عليه....... تتوسطه حديقه صغيره مزروعة بالازهار والآس، انها زاهية باخضرارها، كانما هناك فلاح مواضب على ترتيبها. سألت نفسي مرارا، ماهذا الذي اراه ايعقل ان ما اشاهده كل يوم ليس الا محضا من الخيال الذي اوهمت نفسي به، ام ماذا.. لا ادري؟
تعبت من التفكير بهذا المنزل.. فقررت ان ادخله، لكن بعد ان يسكن الليل وتسكن المدينة، كي لا يراني احد. حلّ الليل وساد السكون كل مكان، نزلت من غرفتي اتسحب واتخطا السلم درجة درجة حاملا بيدي مصباحا يدويا لأستنير به رغم معرفتي بوجود انوار خافتة داخل حجرالبيت، رعشة خفيفة شعرت بها على اطراف اصابعي، تتالت عليّ مزيج من التخيلات الواهمة، ارهقني ذلك الخوف الذي لم يفارقني. خرجت من داري ورحت اسير بحذر نحو المنزل فتحت الباب بكل هدوء خوفا من ان يسمعني احد.. دخلت باحة المنزل، ذهب الخوف.. بدأت اسمع دويا غير معروف المصدر؛ انها مقاطع من نغمات البيانو غير المنتظمة، وما سوى ذلك صمت كصمت الموت..... كل شيء بارد، اطرافي ايضا اكتست من تلك البرودة، توسطت الباحة, وقفت في النقطة نفسها التي اعتدت النظر اليها من خلال شرفتي، عاودت السير نحو الداخل. ازدادت البرودة، دخلت رواق المنزل اختفت رنات البيانو، تلاشى الدوي شيئا فشئ. وجدت اناسا كثر، ملامحهم تدل على تعدد اصنافهم واجناسهم، اخافني منظرهم، رغم انهم لم يبالو لقدومي كأنهم لم يروني، يتعايشون ليس كما نتعايش. اشتد البرد لم اكن اظن ان يكون الصرح بهذا البرد الشديد. تراجعت خطواتي دون شعور مني التفت نحو الباب مددت يدي نحو المقبض حاولت ان افتحه الا انه موصد باحكام. تسارعت دقات قلبي، حرارة تنبعث من داخلي، غثيان طرء على راسي كدت اصرخ، الا اني خشيت ان ازعج من في الداخل واكسر صمتهم المليء بالكلمات المتراكمة.. رحت اركض نحو كل الابواب لكنها جميعا موصدة احسست بوخزات الدموع تمزق جفوني، غير انها تخشى هي الاخرى ان تعلن خوفي. احتبست انفاسي في عمق روحي، اكتفيت بالتلفت حولي، تصفحت وجوههم دون جدوى بان استنطقهم، هم متفقون على السكون القاتل سوى ذلك الشاب الذي بادرني ببعض الكلمات دون ان يتحرك:
ـ "هدّء من روعك ياهذا، هذا مكانك المحتوم، هنا قدرك الذي سار علينا جميعا.. فضول ومن بعده الضياع"
بان عليّ الارتباك واسئلة تلح عليّ وتريد مني الجواب رغم جهلي المطلق بما يحصل؛ اصحيح ما يقول "هذا هو قدري الاخير" واني تركت دياري بغير رجوع كما الموت. انظر من خلال النوافذ، هذه السماء ليست هي نفسها التي كنت اراها من خلال غرفتي ولا هذه الاماكن التي اعرفها..... رغم ان الشوارع لم تتغير ولا حتى الابنية. بانت لي من خلال تلك النوافذ شرفة منزلي هاهي نوافذ غرفتي وذلك هو مكاني الذي كنت اقف عليه دائما، وانظر من خلاله لما حولي ولفناء هذا المنزل القديم. امعنت النظر الى شرفتي، انهم احرقو كل اشياءي مزقو كل اوراقي نثروا حبر كلماتي تقاسمو ثيابي غيروا اثاث غرفتي يتغامزون على مذكراتي، كدت أصرخ عبثا، فصوتي حبيس بين جدران الضياع يا ترى، هل اني خرجت من الوهم وعدت الى واقعي ام خرجت من الواقع الى حيث الوهم.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق